فصل: باب ما جاء في الربا في الدين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في الربا في الدين

1334- مالك عن أبي الزناد عن بسر بن سعيد عن عبيد أبي صالح مولى السفاح أنه قال بعت بزا لي من أهل دار نخلة إلى أجل ثم أردت الخروج إلى الكوفة فعرضوا علي أن أضع عنهم بعض الثمن وينقدوني فسألت عن ذلك زيد بن ثابت فقال لا آمرك أن تأكل هذا ولا توكله وكذلك رواه الثوري عن أبي الزناد عن بسر عن أبي صالح عن زيد بن ثابت ورواه بن عيينة عن أبي الزناد عن بسر عن زيد بن ثابت لم يذكر عبيدا أبا صالح وهو مجهول لا يعرف بغير هذا‏.‏

1335- مالك عن عثمان بن حفص بن خلدة عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر فكره ذلك عبد الله بن عمر ونهى عنه‏.‏

1336- مالك عن زيد بن أسلم أنه قال كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل فإذا حل الأجل قال أتقضي أم تربي فإن قضى أخذ وإلا زاده في حقه وأخر عنه في الأجل قال مالك والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب قال مالك وذلك عندنا بمنزلة الرجل الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه ويزيده الغريم في حقه قال فهذا الربا بعينه لا شك فيه قال أبو عمر قد بين مالك - رحمه الله - أن من وضع من حق له لم يحل أجله يستعجله فهو بمنزلة من أخذ حقه بعد حلول أجله لزيادة يزدادها من غريمه لتأخيره ذلك لأن المعنى الجامع لهما هو أن يكون بإزاء الأمد الساقط والزائد بدلا وعوضا يزداده الذي يزيد في الأجل ويسقط عن الذي يعجل الدين قبل محله فهذان وإن كان أحدهما عكس الآخر فهما مجتمعان في المعنى الذي وصفنا وقد اختلف العلماء في معنى قوله ضع عني وأعجل لك ولم يختلفوا في معنى قولهم إما أن تقضي وإما أن تربي إنه الربا المجتمع عليه الذي نزل القرآن بتحريمه ولم تعرف العرب الربا إلا في السنة المذكورة فنزل القرآن بذلك ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذهب بالذهب والورق بالورق والوزن بالوزن والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح متفاضلا ربا وأن النسيئة في الذهب بالورق وفي البر بالبر وفي الشعير بالشعير وفي التمر بالتمر وفي الملح بالملح ربا وأن ذلك لا يجوز إلا هاء وهاء عند جماعة العلماء وقد أوضحنا مذاهب العلماء في معنى هذه السنة المذكورة المنصوص عليها في حديث عبادة وحديث عمر والحمد لله فكان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في الربا زيادة على معنى ما نزل به القرآن‏.‏

وأما اختلاف العلماء في ضع وتعجل فإن بن عباس خالف في ذلك عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وكذلك اختلف فيها التابعون ومن بعدهم من العلماء ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم قال سألت بن عمر عن رجل لي عليه حق إلى أجل فقلت عجل لي وأضع عنك فنهاني عنه وقال نهانا أمير المؤمنين أن نبيع العين بالدين قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس أنه سئل عن الرجل يكون له الحق على الرجل فيقول عجل لي وأضع عنك قال لا بأس بذلك وعن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يقول عجل لي وأضع عنك قال بن عيينة‏.‏

وأخبرني عمرو قال قال بن عباس إنما الربا أخر لي وأنا أزيدك وليس عجل لي وأضع عنك وروى بن وهب عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأله فقال إن لي دينا على رجل إلى أجل فأردت أن أضع عنه ويعجل لي فقال لا تفعل واتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلا زفر على أن ضع وتعجل ربا وقال سفيان بن عيينة تفسير عجل لي وأضع عنك إذا كان لي عليك ألف درهم إلى أجل فقلت أعطني من حقي الذي عندك تسع مائة ولك مائة فقال بعضهم ليس به بأس والذين كرهوه قالوا إنما بعت الألف بالتسع مائة واختلف في ذلك قول الشافعي فقال مرة لا بأس فيه ورآه من المعروف ومرة قال ضع وتعجل لا يجوز‏.‏

وأما زفر بن الهذيل فذكر الطحاوي عن محمد بن العباس عن يحيى بن سليمان الجحفي عن الحسن بن زياد عن زفر في رجل له على رجل ألف درهم إلى سنة من متاع أو ضمان فصالحه منهما على خمس مائة نقدا أن ذلك جائز وأجاز مالك وأصحابه أن يتعجل في دينه الأجل عوضا يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه وأجاز الثوري والحسن وبن سيرين وطائفة ممن يرى ضع وتعجل ربا وهو مذهب بن عمر لم يختلف عنه أنه لا يقاطع المكاتب إلا بالعروض واختلف عن سعيد بن المسيب في ضع وتعجل فحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي‏.‏

وحدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثني عبد الله بن محمد بن علي قال أملى علي أبو عمر بن أبي زيد قال حدثني بن وضاح قال حدثني زيد بن البشر قال حدثني بن وهب عن ليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال كان الناس يخالفون سعيد بن المسيب في عشر خصال فذكرها سعيد قال كان الناس وفيها وكان يقول لا بأس أن تضع من دين لك إلى أجل فيعجل لك وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن بن المسيب وعن بن عمر قال من كان له على رجل دين إلى أجل معلوم فعجل بعضه وترك له بعضه فهو ربا قال عبد الرزاق‏.‏

وأخبرنا الثوري وبن عيينة عن داود بن أبي هند قال سألت سعيد بن المسيب عن ذلك فقال تلك الدراهم عاجلة بآجله قال‏.‏

وأخبرنا الثوري عن حماد ومنصور عن إبراهيم في الرجل يكون له الحق على الرجل إلى أجل فيقول ضع عني وأعجل لك كان لا يرى بذلك بأسا قال‏.‏

وأخبرنا بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال قلت للشعبي إن إبراهيم قال في الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع له بعضا ويعجل له بعضا أنه ليس به بأس وكرهه الحكم بن عتيبة فقال الشعبي أصاب الحكم وأخطأ إبراهيم قال أبو عمر احتج من لم ير بذلك بأسا بحديث رواه مسلم بن خالد الزنجي قال أخبرنا علي بن يزيد بن ركانة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرنا بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا يا نبي الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ ضعوا وتعجلوا‏)‏‏)‏ وقال من كره ذلك جائز أن يكون ذلك قبل نزول القرآن بتحريم الربا قال مالك في الرجل يكون له على الرجل مائة دينار إلى أجل فإذا حلت قال له الذي عليه الدين بعني سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا بمائة وخمسين إلى أجل قال مالك هذا بيع لا يصلح ولم يزل أهل العلم ينهون عنه قال مالك وإنما كره ذلك لأنه إنما يعطيه ثمن ما باعه بعينه ويؤخر عنه المائة الأولى إلى الأجل الذي ذكر له آخر مرة ويزداد عليه خمسين دينارا في تأخيره عنه فهذا مكروه ولا يصلح وهو أيضا يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهلية إنهم كانوا إذا حلت ديونهم قالوا للذي عليه الدين إما أن تقضي وإما أن تربي ‏!‏ فإن قضى أخذوا وإلا زادهم في حقوقهم وزادوهم في الأجل قال أبو عمر كل من قال بقطع الذرائع يذهب إلى هذا ومن لم يقل بذلك ولم يلزم المتبايعين إلا ما ظهر من قولهما في تبايعهما ولم يستعمل الظن السوء فيهما لم ير بذلك بأسا وقد تقدم هذا المعنى وتنازع العلماء فيه والحمد لله كثيرا‏.‏

باب جامع الدين والحول

1337- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر إنما يكون المطل من الغني إذا كان صاحب الدين طالبا لدينه راغبا في أخذه فإذا كان الغريم مليئا غنيا ومطله وسوف به فهو ظالم له والظلم محرم قليله وكثيره وقد أتى الوعيد الشديد في الظالمين بما يجب أن يكون كل من فقهه عن قليل الظلم وكثيره منتهيا وإن كان الظلم ينصرف على وجوه بعضها أعظم من بعض وقد ذكرنا أكثرها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وأعظمها الشرك بالله عز وجل قال الله عز وجل ‏(‏إن الشرك لظلم عظيم‏)‏ ‏[‏لقمان 13‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏وقد خاب من حمل ظلما‏)‏ ‏[‏طه 111‏]‏‏.‏

أي خاب من رحمه الله تعالى ومن بعضها أو من كثير منها على حسب ما ارتكب من الظلم والله يغفر لمن يشاء وقال ‏(‏ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا‏)‏ ‏[‏الفرقان 19‏]‏‏.‏

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حاكيا عن الله تبارك وتعالى ‏(‏يا عبادي إني حرمت عليكم الظلم فلا تظالموا وقد ذكرنا إسناده في التمهيد ومن الدليل على أن مطل الغني ظلم محرم‏)‏‏)‏ 12 موجب للإثم ما ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من استحلال عرضه والقول فيه ولولا مطله لم يحل ذلك منه قال الله عز وجل ‏(‏لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم‏)‏ ‏[‏النساء 148‏]‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لي الواجد يحل عرضه وعقوبته فمعنى قوله يحل عرضه أي يحل من القول فيه ما لم يكن يحل لولا مطله وليه ومعنى وعقوبته قالوا السجن حتى يؤدي أو يثبت عسرته فيجب حينئذ نظرة حدثني قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني يحيى قال حدثني محمد بن عمر بن لبابة قال حدثني عثمان بن أيوب قال سمعت سحنون بن سعيد يقول إذا مطل الغني بدين عليه لم تجز شهادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ظالما‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع‏)‏‏)‏ فمعناه الحوالة يقول إذا أحيل أحدكم على مليء فليحل عليه وهذا عند أكثر العلماء إرشاد ليس بواجب فرضا وجائز عندهم لصاحب الدين إذا رضي بذمة غريمة وطابت نفسه على الصبر عليه أو علم منه غني ألا يستحيل إلا أن يشاء‏.‏

وأما أهل الظاهر فأوجبوا ذلك عليه فرضا إذا كان المحال عليه مليئا‏.‏

وأما الحوالة فسيأتي ما للعلماء من التنازع فيها في بابها من كتاب الأقضية إن شاء الله تعالى‏.‏

1338- مالك عن موسى بن ميسرة أنه سمع رجلا يسأل سعيد بن المسيب فقال إني رجل أبيع بالدين فقال سعيد لا تبع إلا ما آويت إلى رحلك هذا خبر فيه من الفقه النهي عن الدين بالدين وعن بيع ما ليس عندك وهما معنيان قد مضى القول فيهما قال مالك في الذي يشتري السلعة من الرجل على أن يوفيه تلك السلعة إلى اجل مسمى إما لسوق يرجو نفاقها فيه وإما لحاجة في ذلك الزمان الذي اشترط عليه ثم يخلفه البائع عن ذلك الأجل فيريد المشتري رد تلك السلعة على البائع إن ذلك ليس للمشتري وإن البيع لازم له وإن البائع لو جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها قال أبو عمر أما قوله لو أن البائع جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها فهو كذلك عند سائر العلماء لأن أعراض الناس ومنافعهم تختلف في الاحتيال للسلع التي يبتاعونها وليست السلعة كالدنانير والدراهم التي تلزم من عجلت له قبل محل أجلها أخذها لأنها لا مؤنة لها ولا يختلف العرض فيها فإن اختلف ما يصرف فيه‏.‏

وأما من سلم في شيء من المأكول أو الحيوان إلى أجل له فيه منفعة إذا قبضه عند ذلك الأجل فقد اختلف العلماء في ذلك واختلف فيه أصحاب مالك فروى أشهب وبن وهب عن مالك فيمن سلم في كباش يؤتى بها في الأضحى فلم يأته بها حتى مضى الأضحى أنه يلزمه أخذها كما لو سلم في وصائف في الشتاء فأتى بها المسلم إليه في الصيف أو سلم في قمح لأبان فعلوا فيه فيأتيه بعد كل ذلك يلزمه أن يقبله وهذا معنى ما ذكره في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏‏.‏

قاله بن وهب وقال غيره لا يلزمه أحدها - يعني الضحايا - إذا أتاه بها بعد الأضحى بيوم أو يومين قال أشهب قيل له فالرجل يتكارى إلى الحج فيأتيه به بعد أبان الحج أيكون مثل ذلك يعني ما تقدم ذكره من الضحايا والوصائف قال وليس الحج من هذا فيما أرى ولا هو مثله قال أبو عمر ما ألزمه مالك أخذ الضحايا بعد الأضحى والوصائف بعد انقضاء الشتاء قياسا -والله أعلم- على غيرها من السلع المسلم فيها وعلى الدنانير والدراهم يشترط فيها أجلا فلا يوفيه إلا بعد الأجل ومن أبى من ذلك قال لم أدفع في ثمن ما سلمت إليك فيه من الضحايا وشبهها إلا ليأتي به بها في وقت أدرك سوقها فلذلك اشترطت عليه ذلك الوقت والمسلمون عند شروطهم وقاسه على المكتري إلى الحج لا يأتيه كرية إلا بعد انقضاء الحج أو في وقت لا يدرك فيه الحج فلم يلزمه أخذ ذلك‏.‏

وقال الشافعي كل من سلف في شيء فجاءه به المسلف إليه خلاف جنسه أو صفته أو خالف في منفعته أو ثمن كان ألا يقبله قال ولو جاءه به قبل محله فإن كان نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذي زوج أجبرته على أخذه وإن كان مأكولا أو مشروبا فقد يريد أكله وشربه جديدا وإن كان حيوانا فلا غنى به عن العلف والرعي فلا يجبر على أخذه قبل محله لأنه يلزمه فيه مؤنة إلى أن ينتهي إلى وقته قال أبو عمر يجب على أصله هذا إذا كان لا يلزمه أخذه لما فيه عليه من المؤنة إلى وقت مثله إلا يلزمه أيضا إذا فاتت السوق والموسم الذي له قصد بالشراء كالضحايا وشبهها لأن ما يفوته هنا من الفائدة كالذي يلحقه فيه من المؤنة قبل الأجل إلى وقت حلوله والقياس ما قاله مالك أنه يلزمه أخذه لأنه ليس بظلمة له في المطل والتأخر عن الوقت تبطل صفقته ويفسد ما كان صحيحا من بيعه والله أعلم قال مالك في الذي يشتري الطعام فيكتاله ثم يأتيه من يشتريه منه فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه واستوفاه فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله إن ما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه وإنما كره الذي إلى أجل لأنه ذريعة إلى الربا وتخوف أن يدار ذلك على هذا الوجه بغير كيل ولا وزن فإن كان إلى أجل فهو مكروه ولا اختلاف فيه عندنا قال أبو عمر اختلاف العلماء في هذه المسألة في البيع كهذا في السلم وكذلك روى بن القاسم وغيره عن مالك قال إذا قال المسلم إليه للمسلم هذا قد كلته وصدقه المسلم جاز له أن يأخذه بذلك الكيل وكذلك لو كان المسلم الذي اشتراه من غيره وقبضه جاز للمسلم أخذه بذلك قال أبو عمر الذي كرهه مالك في البيع إلى أجل وجعله ذريعة إلى الربا معناه أنه لم يصدقه إلا من أجل الأجل فكأنه أخذ الأجل ثمنا لأنه يمكن أن يكون دون ما قاله له من الكيل فرضي بذلك الأجل فصار كذلك إذا كان ربا لما وصفنا ولهذا والله أعلم أدخل مالك هذه المسألة في باب الربا في الدين‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث بن سعد إذا اكتال المسلم إليه كراء لنفسه من بائعه ثم سلمه إلى المسلم بغير كيل لم يجز ذلك وليس له أن يبيعه ولا يتصرف فيه بأكل ولا غيره حتى يكتاله قال أبو عمر أصلهم في هذا أنه لما كان المصدق القابض لما ابتاعه من الطعام من سلم أو غيره لا يجوز له أن يبيعه حتى يكتاله بحديث بن عباس أنه قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله وهذا عندهم تفسير معنى حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا تبعه حتى تستوفيه والاستيفاء لا يكون إلا بالكيل فيما بيع كيلا كان كذلك سائر التصرف ودل على أن من لم يكتل ولم يستوف على ذلك لا يصح قبضه معلوما لإمكان الزيادة فيه والنقصان‏.‏

وقال الشافعي فإن هلك الطعام فذلك الطعام في يد المشتري قبل أن يكيله فالقول قوله في الكيل مع يمينه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن استهلكه المشتري وتصادفا أنه كرء كان مستوفيا وقال الحسن بن حي إن استهلكه المشتري ضمنه قيمته كالبيع الفاسد‏.‏

وقال أبو ثور القول فيه قول المشتري مع يمينه ويرجع عليه بما بقي وإن باعه كان بيعه جائزا وروى بن وهب في ‏(‏‏(‏موطأه‏)‏‏)‏ عن مالك أنه سأل عن رجل ابتاع من رجل طعاما وأخذه بكيله الأقل وصدقه فيه فلما جاز به كاله فوجد فيه زيادة إردب أو إردبين أترى أن يرد ذلك على البائع قال إن كان ذلك شيئا بينا فنعم قال أبو عمر يعني أنه ما زاد على أنه يمكن أن يكون بين الكيلين فعليه رده وما كان معهودا مثله بين الأكيال فليس عليه رده‏.‏

وأما إن وجده ناقصا فالقول قول البائع عند مالك مع يمينه لأنه قد صدقة المشتري إذا قبضه منه بقوله قال مالك لا ينبغي أن يشترى دين على رجل غائب ولا حاضر إلا بإقرار من الذي عليه الدين ولا على ميت وإن علم الذي ترك الميت وذلك أن اشتراء ذلك غرر لا يدري أيتم أم لا يتم قال أبو عمر هو كما قال عند سائر العلماء لأن الغائب ربما ينكر الدين أو أتى بالبراءة منه إذا حضر وكذلك الحاضر إذا لم يعرف والميت في ذلك كذلك لأنه قد ثبتت عليه ديون تستغرق ماله أو أكثره وعلى هذا أو نحوه فسره مالك في كتابه فقال وتفسير من كره من ذلك أنه إذا اشترى دينا على غائب أو ميت أنه لا يدري ما يلحق الميت من الدين الذي لم يعلم به فإن لحق الميت دين ذهب الثمن الذي أعطى المبتاع باطلا قال مالك وفي ذلك أيضا عيب آخر أنه اشترى شيئا ليس بمضمون له وإن لم يتم ذهب ثمنه باطلا فهذا غرر لا يصلح قال مالك وإنما فرق بين لا يبيع الرجل إلا ما عنده وأن يسلف الرجل في شيء ليس عنده أصله أن صاحب العينة إنما يحمل ذهبه التي يريد أن يبتاع بها فيقول هذه عشرة دنانير فما تريد أن أشتري لك بها فكأنه يبيع عشرة دنانير نقدا بخمسة عشر دينارا إلى أجل فلهذا كره هذا وإنما تلك الدخلة والدلسة وقد تقدم هذا المعنى في باب العينة مجودا والحمد لله‏.‏

باب ما جاء في الشركة والتولية والإقالة

1339- قال مالك في الرجل يبيع البز المصنف ويستثني ثيابا برقومها إنه إن اشترط أن يختار من ذلك الرقم فلا بأس به وإن يشترط أن يختار منه حين استثنى فإني أراه شريكا في عدد البز الذي اشتري منه وذلك أن الثوبين يكون رقمهما سواء وبينهما تفاوت في الثمن قال أبو عمر قد تقدم في باب الثنيا من هذا الكتاب أن أكثر العلماء لا يجيزون أن يستثنى من جملة الثياب والغنم والدواب وما أشبه ذلك شيئا يختاره البائع لأن ما عدا المختار ليس بزائد عندهم وكذلك من استثنى من التمر أو الصبر كيلا وقد تقدم هذا المعنى فلا وجه لتكراره وقول مالك هذا على أصله وقد بين وجه قوله قال مالك الأمر عندنا أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة منه في الطعام وغيره قبض ذلك أو لم يقبض إذا كان ذلك بالنقد ولم يكن فيه ربح ولا وضيعة ولا تأخير للثمن فإن دخل ذلك ربح أو وضيعة أو تأخير من واحد منهما صار بيعا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع وليس بشرك ولا تولية ولا إقالة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن الإقالة إذا كان فيها نقصان أو زيادة أو تأخير أنها بيع وكذلك التولية والشركة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى وإنما اختلفوا في الإقالة على وجهها بلا زيادة ولا نقصان لا نظرة ولا هي بيع فيحل فيها ويحرم ما يحل في البيع ويحرم أم هي معروف وإحسان وفعل خير ليست ببيع وكذلك الشركة والتولية وكذلك ذهب مالك إلى أن الشركة والتولية والإقالة جائز ذلك كله في السلم قبل قبضه وفي الطعام كله لأنه من فعل الخير وصنع المعروف والحجة له قوله عز وجل ‏(‏وافعلوا الخير‏)‏ ‏[‏الحج 77‏]‏‏.‏

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏كل معروف صدقة‏)‏‏)‏ وقد لزم الإقالة والتولية والشركة اسم غير اسم البيع فكذلك جاز ذلك في السلم والطعام قبل الاستيفاء والقبض‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد لا تجوز التولية والشركة في السلم قبل القبض ولا في الطعام المأخوذ بعوض قبل القبض‏.‏

وأما الإقالة فاختلافهم هل هي بيع أم فسخ على ما أضيف لك بقول مالك ما تقدم ذكره أنها معروف وإحسان‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما الإقالة قبل القبض فسخ بيع‏.‏

وقال أبو حنيفة هي بعد القبض فسخ أيضا ولا تقع إلا بالثمن الأول لا زيادة ولا نقصان سواء تقابلا بزيادة أو نقصان أو ثمن غير الأول وهو قول الشافعي وقال أبو يوسف هي بيع بعد القبض وتجوز بالزيادة والنقصان وبثمن آخر ولأبي حنيفة وأصحابه في هذا المعنى كثير مذكور في كتبهم قد ذكرنا كثيرا منه في غير هذا الموضع‏.‏

وقال الشافعي إن أقالة على زيادة أو نقصان بعد القبض فلا خير فيه لأن الإقالة فسخ وليست ببيع قال أبو عمر قد أجمعوا أن الإقالة بيع جائز في السلف برأس المال ولو كانت بيعا دخلها بيع الطعام قبل أن يستوفى وبيع ما ليس عند البائع فدل على أنهما فسخ بيع ما لم تكن فيها زيادة أو نقصان وإنما يستغني عن ذكر الثمن وهو معروف عند مالك على ما تقدم إلا أن حكمها عند حكم البيع المستأنف والعهدة على المشتري فيما قبض وبان به إلى نفسه ثم ظهر به عيب عنده ولم يختلف قوله ولا قول أصحابه في الجارية المواضعة للحيضة إذا وقعت الإقالة بعد قبض سترها لها وعينه عليها أن العهدة عليه والمصيبة منه واختلف بن القاسم وأشهب لو ماتت الجارية ولم يبن بها حمل فقال بن القاسم على أصله المصيبة فيها على المشتري وقال أشهب المصيبة فيها من البائع المقالي وليس هذا الموضع بموضع لذكر هذا المعنى وإنما يذكر في الباب معناه دون ما سواه وبالله التوفيق وقال الأوزاعي يجوز أن يقول المشتري للبائع أقلني ولك دراهم ويقول له البائع أقلني وأعطيك كذا وكذا درهما أنه لا بأس بذلك وقال في رجل اشترى طعاما ولم يقبضه حتى قال أقلني وأعطيك كذا وكذا درهما أنه لا بأس بذلك قال ابو عمر قد مضى في صدر كتاب البيوع من الإقالة ما يوجب أن يكون قول الأوزاعي هذا فيه ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه قال لا بأس بالتولية إنما هو معروف قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن أيوب عن الحسن مثله قال وقال بن سيرين لا حتى يقبض ويكال قال‏.‏ وأخبرنا معمر عن ربيعة قال التولية والإقالة والشركة سواء لا بأس به قال‏.‏

وأخبرنا بن جريج قال أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مستفاضا بالمدينة قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقيله وروى داود بن عبد الرحمن عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال كل بيع لا يجوز بيعه حتى يقبض إلا التولية والشركة والإقالة قال داود‏.‏

وأخبرني رجل عن مجاهد مثله‏.‏

وأما الذين جعلوا ذلك بيعا فلم يجيزوا أشياء منه ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال التولية بيع في الطعام وغيره قال‏.‏

وأخبرنا الثوري عن جابر عن الشعبي وعن سليمان التيمي عن الحسن وبن سيرين وعن فطر عن الحكم قالوا التولية بيع وقال الثوري من اشترى شيئا فلا يؤله ولا يشرك فيه ولا يبعه حتى يقبضه مما يكال أو يوزن أو غير ذلك لأن كل هذا عندنا بيع قال مالك من اشترى سلعة بزا أو رقيقا فبت به ثم سأله رجل أن يشركه ففعل ونقدا الثمن صاحب السلعة جميعا ثم أدرك السلعة شيء ينتزعها من أيديهما فإن المشرك يأخذ من الذي أشركه الثمن ويطلب الذي أشرك بيعه الذي باعه السلعة بالثمن كله إلا أن يشترط المشرك على الذي أشرك بحضرة البيع وعند مبايعة البائع الأول وقبل أن يتفاوت ذلك أن عهدتك على الذي ابتعت منه وإن تفاوت ذلك وفات البائع الأول فشرط الآخر باطل وعليه العهدة واختلف أصحاب مالك على من تكون العهدة في التولية والشركة في السلم وغيره فروى عيسى عن بن القاسم أنه قال العهدة في ذلك أبدا على البائع الذي عليه الثمن وقال بن حبيب إذا كان في نسق واحد فالعهدة على البائع الأول وإن كان على غير نسق فعلى المشتري الأول وقال بن المواز إن ولى أو أشرك بحضرة البائع فتبعه الموكل او المشرك على البائع اشترط ذلك المشتري الأول أو لم يشترطه فإن كان باعها فالتباعة على المشتري إلا أن يشترط ذلك على البائع الأول أو يكون قريبا فيلزمه قال أبو عمر لم يختلف قول مالك في أنه يلزمه أن يشترط الرجل ما شاء في كل ما يشتريه قبل أن يقبضه وهو مذهب الأوزاعي ذكر الوليد بن مسلم عنه قال لا بأس إن أنت اشتريت سلعة فسألك رجل أن تشركه قبل أن تقبضها فلا بأس بذلك قبل قبض السلعة وبعده فيكون عليك وعليها الربح والوضيعة لأن الشركة معروفة ولو كانت الشركة بيعا لم يصلح أن يشرك فيها حتى يقبضها‏.‏ وقال الشافعي لا تجوز الشركة في شراء اشتراه حتى يقبضه وهو قول أبي يوسف ومحمد‏.‏

وقال أبو حنيفة مثل ذلك إلا في العقار فإنه أجاز فيه الشركة والتولية فبطل القبض‏.‏ وقال أبو ثور لا تجوز الشركة قبل القبض في شيء مما يكال أو يوزن‏.‏

وقال أبو ثور لا تجوز الشركة في شيء يؤكل أو يشرب مما يكال أو يوزن قبل القبض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه‏)‏‏)‏ وهو مأكول مكيل وما كان سوى ذلك فلا باس ببيعه قبل أن يقبضه والشركة فيه والتولية جائزة‏.‏

وأما العهدة في الشركة فمذهب مالك أنها على المشرك دون البيع الأول إلا أن يقول له المشتري عهدتك على البائع كعهدي فيجوز ذلك إن كان بحضرة البيع وإن تفاوت كان شرطه باطلا وكانت عهده الشريك عليه لا على البائع الأول وسواء كانت الشركة قبل القبض أو بعده ومعنى العهدة الرد بالعيب والقيام في الاستحقاق والخصومة في ذلك هل يكون ذلك بين الشريك والذي أشركه وبين البائع الأول فيكونان في ذلك سواء‏.‏

وأما الشافعي والكوفيون فالشركة عندهم جائزة بعد القبض والخصام في كل ما ينزل فيها بين الشريكين وليس للشريك إلى البائع الأول سبيل لأنه لم يعامله في شيء‏.‏

وأما قبل القبض فلا شركة ولا خصام ولا عهدة عندهم في شيء من ذلك قال مالك في الرجل يقول للرجل اشتر هذه السلعة بيني وبينك وانقد عني وأنا أبيعها لك إن ذلك لا يصلح حين قال انقد عني وأنا أبيعها لك وإنما ذلك سلف يسلفه إياه على أن يبيعها له ولو أن تلك السلعة هلكت أو فاتت اخذ ذلك الرجل الذي نقد الثمن من شريكه ما نقد عنه فهذا من السلف الذي يجر منفعة قال مالك ولو أن رجلا ابتاع سلعة فوجبت له ثم قال له رجل أشركني بنصف هذه السلعة وأنا أبيعها لك جميعا كان ذلك حلالا لا بأس به وتفسير ذلك أن هذا بيع جديد باعه نصف السلعة على أن يبيع له النصف الآخر قال أبو عمر قد بين مالك - رحمه الله - الوجه الذي لم يجز عنده قوله الذي يشركه انقد عني وأنا أبيعها لك أنه من باب سلف جر منفعة وهو إذا صح وصرح به مجتمع على تحريمه وأجاز الوجه الآخر لأنه لا يدخله عنده إلا بيع واجارة والبيع والإجارة جائز عنده في أصل مذهبه وعند جماعة أصحابه‏.‏

وأما الشافعي والكوفيون فلا يجوز عندهم بيع والاجارة لأن الثمن حينئذ يكون مجهولا عندهم لأنه لا يعرف مبلغه من مبلغ حق الإجارة في عقد السلعة والإجارة أيضا بيع منافع فصار ذلك بيعتان في بيعة والوجه الأول أيضا غير جائز عندهم لما ذكره مالك ولأنها إجارة مجهولة انعقدت مع الشركة والشركة لا تجوز عندهم قبل القبض لأنها بيع على ما ذكرنا عنهم ولا يجوز أن ينعقد معها ما تجهل به مبلغ ثمنها على ما وصفنا وقد اختلف قول مالك في الذي يسلف رجلا سلفا لمشاركه فمرة أجازه ومرة كرهه وقال لا يجوز على حال واختار بن القاسم جواز ذلك فروى ذلك كله عن مالك قال وإن كان الذي أسلفه ليقاده ويضره بالتجارة ثم جعل مثل ما أسلفه وتشاركا على ذلك فلا يجوز لأنه جر إلى نفسه بسلفه منفعة وإن كان ذلك منه على وجه الرفق والمعروف قال بن القاسم قد اختلف قول مالك في ذلك فمرة أجازه ومرة كرهه‏.‏

باب ما جاء في إفلاس الغريم

1340- مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء‏)‏‏)‏‏.‏

1341- مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر الحديث الأول مرسل في ‏(‏‏(‏الموطإ‏)‏‏)‏ عند جميع رواته عند مالك ورواه عبد الرزاق عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ سواء واختلف فيه أصحاب بن شهاب فمنهم من أسنده فجعله عن بن شهاب عن أبي بكر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من جعله عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الرواة بذلك كله والأسانيد عنهم في ‏(‏‏(‏التمهيد‏.‏

وأما حديث يحيى بن سعيد فمتصل صحيح مسند إلا أن قوله في حديث بن شهاب عن أبي بكر وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع إسوة الغرماء‏)‏‏)‏ ليس في حديث يحيى بن سعيد وهو موضع اختلف فيه العلماء على ما نذكره - إن شاء الله عز وجل وقد روى هذا الحديث بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ ‏(‏إذا أفلس الرجل فوجد غريمه متاعه بعينه فهو أحق به‏)‏‏)‏ لم يذكر الموت ولا حكمه كذلك رواه قتادة وغيره عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه أيوب وبن جريج وبن عيينة عن عمرو بن دينار عن هشام بن يحيى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها دون الغير‏)‏‏)‏ لم يذكر الموت ولا حكمه ورواه بن أبي ذئب عن أبي المعتمر بن عمرو بن نافع عن عمر بن خلدة الزرقي قال أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس فقال أبو هريرة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ إيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه‏)‏‏)‏ فسوى في روايته بين الموت والفلس قال أبو عمر حديث التفليس حديث صحيح من نقل الحجازيين والبصريين رواه العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم ودفعه طائفة من العراقيين منهم أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وردوه بالقياس على الأصول المجتمع عليها وهذا مما عيبوا به وعد عليهم من السنن التي ردوها بغير سنة صاروا إليها لأنهم أدخلوا القياس والنظر حيث لا مدخل له وإنما يصح الاعتبار والنظر عند عدم الآثار وحجتهم أن السلعة من المشتري وثمنها في ذمته فغرماؤه أحق بها كسائر ماله وهذا لا يجهله عالم ولكن الانقياد إلى السنة أولى بمعارضاتها بالرأي عند أهل العلم وعلى ذلك العلماء ذكر بشر بن عمر سمعت مالك بن أنس كثيرا إذا حدث بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقال له ما تقول أنت أو ما رأيك فيقول ‏(‏فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة‏)‏ ‏[‏النور 63‏]‏‏.‏

ومثل هذا في كتاب الشافعي كثير وممن قال بحديث التفليس جملة واستعمله - وإن تنازعوا في أشياء من فروعه - فقهاء المدينة والشام والبصرة وجماعة أهل الحديث ولا أعلم لأهل الكوفة سلفا في هذه المسألة إلا ما رواه قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي - رضي الله عنه - قال وفيه إسوة الغرماء إذا وجدها بعينها وأحاديث خلاس عن علي - رضي الله عنه - ضعيفة عند أهل العلم بالحديث لا يرون في شيء منها إذا انفرد بها حجة وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال هو والغرماء فيه شرع سواء وليس قول إبراهيم حجة عند الجمهور ويشبه قوله في هذه المسألة قوله في المسكر قال مالك في رجل باع من رجل متاعا فأفلس المبتاع فإن البائع إذا وجد شيئا من متاعه بعينه أخذه وإن كان المشتري قد باع بعضه وفرقه المتاع أحق به من الغرماء لا يمنعه ما فرق المبتاع منه أن يأخذ ما وجد بعينه فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا فأحب أن يرده ويقبض ما وجد من متاعه ويكون فيما لم يجد إسوة الغرماء فذلك له قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين الفقهاء القائلين بأن البائع أحق بغير ماله في الفلس أنه أحق أيضا بما وجد عنه إذا كان المشتري قد باع ذلك أو فوته بوجوه الفوت لأن الذي وجد من سلعته هو عين ماله لا شك فيه لأنه قطعة منه قال مالك فيمن وجد نصف سلعته بعينها عند رجل قد أفلس قال أرى أن يأخذها بنصف الثمن ويحاص الغرماء في النصف الثاني وكذلك قال الشافعي قال لو كانت السلعة عبدين بمائة فقبض نصف الثمن وبقي أحد العبدين وقيمتهما سواء كان له نصف الثمن أو النصف الذي قبض ثمن الهالك كما لو رهنهما بمائة فقبض تسعين فهلك أحدهما كان الآخر رهنا بعشرة هكذا روى المزني وروى الربيع عنه قال لو كانا عبدين أو ثوبين فباعهما بعشرين قبض عشرة وبقي من ثمنهم عشرة كان شريكا فيها بالنصف يكون نصفهما له والنصف للغرماء يباع في دينه وجملة قول الشافعي أنه لو بقي من ثمن السلعة في التفليس درهم لم يرجع من السلعة إلا بقدر الدرهم ومعناه أن ما بقي في يد المشتري المفلس عين مال البائع وقيمته بمقدار ما بقي له من الثمن الذي من أجله جعل له أخذه فله أخذه دون سائر غرماء المفلس وقال أشهب عن مالك عن رجل باع من رجل عبدين بمائة دينار وانتقد من ذلك خمسين وبقيت على الغريم خمسون ثم أفلس غريمه فوجد عنده أحد عبديه وفاته الآخر فأراد أخذه بالخمسين التي بقيت له على غريمه وقال الخمسون التي أخذت ثمن العبد الذاهب وقال الغرماء بل الخمسون التي أخذت ثمن هذا فقال مالك إذا كان العبدان سواء رد نصف ما قبض ولك خمسة وعشرون دينارا وأخذ العبد وذلك أنه إنما اقتضى من ثمن كل عبد خمسة وعشرين دينارا قال ولو كان باعه عبدا واحدا بمائة دينار فاقتضى من ثمنه خمسين رد الخمسين إن أحب وأخذ العبد قال أشهب وكذلك العمل في روايا الزيت وغيرها على هذا القياس‏.‏

وقال الشافعي في مسألة أشهب عن مالك العبد أحق به من الغرماء إذا كان قيمة العبدين سواء لأنه ماله بعينه وجده عند غريمه وقد أفلس والذي قبضه وثمن ما فات إذا كانت القيمة سواء كما لو باع عبدا واحدا وقبض نصف لبه كان ذلك النصف للغرماء وكان النصف الباقي له فإنه لم يقبض ثمنه ولا يرد شيئا مما أخذ لأنه مستوف لما أخذ‏.‏

وأما قول مالك في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا فأحب أن يرده إلى آخر قوله فقد خالفه الشافعي وغيره في ذلك فقالوا ليس له أن يرده وإنما له أخذ ما بقي من سلعته لا غير ذلك لإجماعهم على أنه لو قبض ثمنها كله لم يكن له إليها سبيل فكذلك إذا أخذ ثمن بعضها لم يكن إلى ذلك البعض سبيلا وليس له أن يرد بعض الثمن كما ليس له ان يرد جميعه لو قبضه وحجتهم حديث مالك في هذا الباب قوله ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا وقال جماعة من أهل العلم إذا قبض من ثمن سلعته شيئا لم يكن له أخذها ولا شيئا منها وممن قال هذا داود وأهل الظاهر أيضا وأحمد وإسحاق واختلف مالك والشافعي أيضا في المفلس يأبى غرماؤه دفع السلعة إلى صاحبها وقد وجدها بعينها ويريدون دفع الثمن إليه من قبل أنفسهم لما لهم في قبض السلعة من الفضل فقال مالك ذلك لهم وليس لصاحب السلعة أخذها إذا دفع إليه الغرماء ثمنها‏.‏

وقال الشافعي ليس للغرماء هذا مقال قال وإذا لم يكن للمفلس ولا لورثته أخذ السلعة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل صاحبها أحق بها منهم فالغرماء أبعد من ذلك وإنما الخيار لصاحب السلعة إن شاء أخذها وإن شاء تركها وضرب مع الغرماء بثمنها وبهذا قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وجماعة واختلف قول مالك والشافعي أيضا في المفلس يموت قبل الحكم عليه وقبل توفيقه فقال مالك ليس حكم الفلس كحكم الموت وبائع السلعة إذا وجدها بعينها إسوة الغرماء في الموت بخلاف الفلس وبهذا قال أحمد بن حنبل وحجة من قال بهذا القول حديث بن شهاب المذكور في أول هذا الباب عن أبي بكر بن عبد الرحمن لأنه حديث نص فيه على الفرق بين الموت والفلس وهو قاطع لموضع الخلاف ومن جهة القياس بينهما فرق آخر وذلك أن المفلس يمكن أن تطرأ له ذمة وليس الميت كذلك‏.‏

وقال الشافعي الموت والفلس سواء وصاحب السلعة أحق بها إذا وجدها بعينها في الوجهين جميعا وحجة من قال بهذا القول حديث بن أبي ذئب المذكور في هذا الباب وفيه أن أبا هريرة قال قد قضى رسول الله إيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق به إذا وجده بعينه‏)‏‏)‏ فجعل الشافعي ذكر الموت زيادة مقبولة وردت في حديث مسند وحديث بن شهاب الصحيح فيه الإرسال قال أبو عمر قد وصله عبد الرزاق على نص ما رواه أصحاب مالك وسائر أصحاب بن شهاب وذكر فيه الذي ذكروا وذلك قوله وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء بعد ذكره حكم المفلس ففرق بين الموت والفلس فينبغي ألا تكون زيادة أبي المعتمر عن عمرو بن خلدة عن أبي هريرة في التسوية بين الميت والمفلس مقبولة لأنها قد عارضها ما يدفعها والأصل أن كل مبتاع أحق بما ابتاعه حياته وموته وأن ذلك موزون عنده شيء من ذلك بدليل لا معارض له ولم يوجد ذلك إلا فيمن وجد عين ماله عند مفلس هذا هو الذي لم تختلف فيه الآثار المرفوعة وما عداها فمصروف إلى الأصل المجتمع عليه وبالله التوفيق قال مالك ومن اشترى سلعة من السلع غزلا أو متاعا أو بقعة من الأرض ثم أحدث في ذلك المشتري عملا بنى البقعة دارا أو نسج الغزل ثوبا ثم أفلس الذي ابتاع ذلك فقال رب البقعة أنا آخذ البقعة وما فيها من البنيان إن ذلك له ولكن تقوم البقعة وما فيها مما أصلح المشتري ثم ينظر كم ثمن البقعة وكم ثمن البنيان من تلك القيمة ثم يكونان شريكين في ذلك لصاحب البقعة بقدر حصته ويكون للغرماء بقدر حصة البنيان قال مالك وتفسير ذلك أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمسمائة درهم فتكون قيمة البقعة خمسمائة درهم وقيمة البنيان ألف درهم فيكون لصاحب البقعة الثلث ويكون للغرماء الثلثان قال مالك وكذلك الغزل وغيره مما أشبهه إذا دخله هذا ولحق المشتري دين لا وفاء له عنده وهذا العمل فيه قال أبو عمر قال الشافعي فيما روى الربيع وغيره عنه ولو كانت السلعة دارا فبنيت أو بقعة فغرست ثم أفلس الغريم ردت للبائع الدار كما كانت والبقعة حين باعها ولم أجعل له الزيادة ثم خيرته بين أن يعطي قيمة العمارة والغراس ويكون ذلك له أو يكون له ما كان في الأرض لا عمارة فيها وتكون العمارة الحادثة فيها تباع للغرماء سواء بينهم إلا أن يشاء الغرماء والغريم أن يقلعوا البنيان والغرس ويضمنوا لرب الأرض ما نقص الأرض القطع فيكون ذلك لهم قال ولو باع أرضا فغرسها المشتري ثم أفلس فأبى رب الأرض أن يأخذ الأرض بقيمة الغرس الذي فيها وأبى الغرماء أو الغريم أن يقلعوا الغرس ويسلموا الأرض إلى ربها لم يكن لرب الأرض إلا الثمن الذي باع به الأرض يحاص به الغرماء قال أبو عمر تلخيص قول الشافعي في ذلك أن للبائع ما فيه من الأرض‏.‏

وأما ما كان فيه بناء فهو مخير إن شاء أعطى قيمة البناء وأخذ الأرض والبناء وإن شاء ضرب مع الغرماء ليس له غير ذلك‏.‏

وأما الكوفيون فعلى ما قدمت لك مال المفلس كله عندهم للغرماء الذي فلسه القاضي لهم دون صاحب المساقاة وهو فيها كأحدهم‏.‏

وقال الشافعي ومن باع أرضا فزرعها المشتري ثم فلس قيل لصاحب الأرض إن شئت فلك الأرض إذا حصد الطعام وإن شئت فاضرب مع الغرماء قال والغريم يأخذ ماله بعينه إذا وجده عند مفلس قد وقف القاضي ماله يأخذه ناقصا في بدنه إن شاء وزائدا ولا يمنع من أخذه بعينه لسمن ولا لهزال إن أراد أخذ سلعته بعينها وليس له غيرها إلا أن يشاء تركها والضرب بثمنها مع الغرماء فذلك له وكل ما استغله المشتري فيها قبل توقيف القاضي ما له فهو له بضمانه على سنة الغلة والخراج في القيام بالعيب قال ولو كانت السلعة قمحا فطحنة أخذ الغريم الدقيق وغرم ثمن الطحن وإن شاء أخذ الدقيق ويكون الغرماء شركاءه في قيمة الطحن والطحان عند الشافعي إسوة الغرماء وله قول آخر رواه الربيع أن للطحان حبس الدقيق حتى يأخذ حقه كالرهن قال الشافعي وإن اشترى ثوبا فصبغه أو خاطه أو قصره فالغرماء شركاء في قيمة الصبغ‏.‏

وأما القصار والخياط فإسوة الغرماء لأن عملهم ليس بشيء قائم بعينه مثل الصبغ في الثوب واختلف قول بن القاسم في الحائك يجد الثوب الذي نسجه بيد ربه مفلسا فروى عيسى عن بن القاسم أن كل صانع يجد صنعته عند مفلس وليس فيها غير عمل يده فهو أسوة الغرماء وروى أبو زيد عنه أنه شريك بالنسج كما يكون الصباغ شريكا بالصبغ قال سحنون والخياط شريك لخياطته وخالف سحنون بن القاسم في الأجير على السقي في الزرع والثمرة إذا أفلس صاحبها قال بن القاسم هو إسوة الغرماء وقال سحنون بل هو كالصباغ هم أحق بما في أيديهم في الموت والفلس والاختلاف في هذا الباب كثير بينهم قد ذكرناه في كتاب اختلافهم وذكرنا ما يحصل عليه المذهب في الكتاب ‏(‏‏(‏الكافي‏)‏‏)‏ والحمد لله قال مالك فأما ما بيع من السلع التي لم يحدث فيها المبتاع شيئا إلا أن تلك السلعة نفقت وارتفع ثمنها فصاحبها يرغب فيها والغرماء يريدون إمساكها فإن الغرماء يخيرون بين أن يعطوا رب السلعة الثمن الذي باعها به ولا ينقصوه شيئا وبين أن يسلموا إليه سلعته وإن كانت السلعة قد نقص ثمنها فالذي باعها بالخيار إن شاء أن يأخذ سلعته ولا تباعة له في شيء من مال غريمه فذلك له وإن شاء أن يكون غريما من الغرماء يحاص بحقه ولا يأخذ سلعته فذلك له قال أبو عمر إذا نقصت السلعة فلا خلاف فيما حكاه مالك عند كل من استعمل حديث التفليس جميعهم يقول بذلك فأما إذا زادت السلعة في سوقها لزيادة في سعرها أو لغير ذلك فقد ذكرنا خلاف الشافعي ومن تبعه لمالك في ذلك وأنهم لا يرون للغرماء خيارا في السلعة كما ليس للمفلس خيار ووجه أقوالهم بينة يستغني عن القول فيها‏.‏

وقال مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت عنده ثم أفلس ‏(‏المشتري‏)‏ فإن الجارية أو الدابة وولدها للبائع إلا أن يرغب الغرماء في ذلك فيعطونه حقه كاملا ويمسكون ذلك قال أبو عمر أما قول الشافعي في الولد الحادث عند المفلس فإنه لا سبيل للبائع إليه لأنه كالغلة والخراج وإنما ذلك للغرماء دون البائع قال الشافعي لو باعه أمة فولدت ثم أفلس كانت له الأمة إن شاء والولد للغرماء وإن كانت حبلى كانت له حبلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الآباء كالولادة وبه قال أبو ثور والكوفيون على أصلهم المتقدم ذكره‏.‏

وأما قول مالك في آخر هذه المسألة إلا أن يرغب الغرماء في ذلك ويعطونه حقه كاملا ويمسكون ذلك وقد تقدم جواب الشافعي ومن تابعه على خلاف مالك في ذلك فيما سلف من هذا الباب‏.‏

باب ما يجوز من السلف

1342- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل من الصدقة قال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ ‏(‏أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء‏)‏‏)‏‏.‏

1343- مالك عن حميد بن قيس المكي عن مجاهد أنه قال استسلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيرا منها فقال الرجل يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك فقال عبد الله بن عمر قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة قال أبو عمر أما القول في حديث زيد بن أسلم المكتوب في أول هذا الباب وما فيه من المعاني فمعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل الصدقة وإنما كانت محرمة عليه لا تحل له وفي ذلك دليل على أن استسلافه الجمل البكر المذكور في هذا الحديث لم يكن لنفسه لأنه قضاه من إبل الصدقة وإذا كان ذلك كذلك صح أنه إنما استسلفه الجمل لمساكين بلدة لما رأى من شدة حاجتهم فاستقرضه عليهم ثم رده من إبل الصدقة كما يستقرض ولي اليتيم عليه نظرا له ثم يرده من ماله إذا طرأ له مال وهذا كله لا تنازع فيه والحمد لله وقد اختلف العلماء في حال المستقرض منه الجمل البكر المذكور في هذا الحديث فقال منهم قائلون لم يكن المستقرض منه ممن تجب عليه صدقة ولا تلزمه زكاة عند انقضاء الحول إما لجائحة لحقت ماله قبل الحول فصار المال لغيره أو لغير ذلك من الأسباب المانعة للزكاة لأنه قد رد عليه صدقته ولم يحتسب له بها وكان وقت أخذ الصدقات وخروج السعاة وقتا واحدا يستوي الناس فيه واستوفى منه أصحاب المواشي فلما لم يحتسب له بما أخذ منه صدقة علم أنه لم يكن ممن تلزمه صدقة في ماشيته في ذلك الحول الذي له أخذت صدقته إما لقصور نصابه بالآفة الداخلة على ماشيته قبل تمام حوله أو بغير ذلك مما قد وصفنا بعضه فوجب رد ما أخذ منه إليه ومثال الاستسلاف في هذا الموضع أن يقول الإمام للرجل أقرضني على زكاتك لأهلها فإن وجبت عليه زكاة بتمام ملكك النصاب حولا فذلك وإلا فهو دين لك أرده عليك من الصدقة وهذا كله على مذهب من أجاز تعجيل الزكاة قبل وقت وجوبها بحول واحد وممن ذهب إلى ذلك سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق وأبو عبيد وروي ذلك عن إبراهيم وبن شهاب والحكم بن عتيبة وبن أبي ليلى‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجوز تعجيل الزكاة لما في يده ولما يستفيده في الحول وبعده لسنين وقال التعجيل عما في يده جائز ولا يجوز عما يستفيده وقال بن شبرمة يجوز تعجيل الزكاة لسنين‏.‏

وقال مالك وأصحابه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول إلا بيسير والشهر ونحوه عندهم يسير وقالت طائفة لا يجوز تعجيل الزكاة قبل محلها بيسير ولا كثير ومن عجلها قبل محلها لم يجزئه وكان عليه إعادتها كالصلاة روي ذلك عن الحسن البصري وروى خالد بن خداش عن مالك مثله واختلف على أشهب في الرواية عن مالك في ذلك فروي عنه مثل رواية خالد بن خداش أنه لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها بقليل ولا كثير كالصلاة وروي عنه مثل رواية بن القاسم واختلف أصحاب داود على القولين جميعا قول من أجاز تعجيلها وقول من لم يجز ومن حجة من قال أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها فالقياس لها على الصلاة وعلى سائر ما يجب مؤقتا كالحج وعرفة ورمضان وما أشبه ذلك من المؤقتات التي لا يجوز عملها قبل أوقاتها وأزمانها ومن أجاز تعجيلها قبل سنتها قاسها على الديون المؤجلة لأنه لا خلاف في جواز تعجيلها قبل إحالها إذا تبرع بذلك وفرق بين الصلاة والزكاة بأن الصلاة يستوي الناس كلهم في وقتها وليس كذلك أوقات الزكاة لأن حول زيد في الزكاة غير حول عمرو وأحوال الناس في ذلك مختلفة فلم تشبه الصلاة لما وصفنا‏.‏

وأما من أبي جواز تعجيل الصدقة فقد تأول حديث أبي رافع المذكور في أول هذا الباب أن ذلك كان قبل تحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وعلى الأغنياء ودليل ذلك أنه لو كان استقرض على المساكين لم يرد من أموالهم أكثر مما أخذ لهم ودليل آخر أن المستقرض منه غني فكيف يجوز أن يعطيه من أموال المساكين أكثر مما استقرض منه وهو غني لا تحل له الصدقة وقد ذكرنا احتجاج الفريقين فيما ذهب كل واحد منهما إليه وتأويله في هذا الحديث المذكور في كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي هذا الحديث أيضا إثبات الحيوان دين في الذمة من جهة الاستقراض وهو الاستسلاف وإذا جاز استقراض الحيوان في الذمة من جهة الاستقراض وهو الاستسلاف جاز السلم فيه لأنه عرض يثبت في الذمة بصفة معلومة وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في السلم في الحيوان فيما مضى من هذا الكتاب والحمد لله كثيرا قال مالك لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئا من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما أو عادة فإن كان ذلك على شرط أو أي أو عادة فذلك مكروه ولا خير فيه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى جملا رباعيا خيارا مكان بكر استسلفه وأن عبد الله بن عمر استسلف دراهم فقضى خيرا منها فإن كان ذلك على طيب نفس من المستسلف ولم يكن ذلك على شرط ولا وأي ولا عادة كان ذلك حلالا لا بأس به قال أبو عمر لا أعلم خلافا فيمن اشترط للزيادة في السلف أنه ربا حرام لا يحل أكله‏.‏

وأما العادة فيكره ذلك عند الشافعي والكوفيين ولا يرون ذلك حراما لأنه معروف إذا وقع ولا تعلم صحته ما لم يقع لأن العادة تقطع دونها وأن اختلاف الأموال ومن حكم بذلك استعمل الظن وحكم بغير اليقين فالأحكام إنما هي على الحقائق لا على الظنون ومن تورع عن ذلك نال فضلا والله أعلم ومن هذا الباب أكل هدية الغريم واختلاف الفقهاء فيه على نحو ما ذكرنا قال مالك لا يصلح أن يقبل هدية تحريمه إلا أن يكون ذلك بينهما معروفا قبل ذلك وهو يعلم أن ليس هديته إليه لمكان دينه وقال الثوري مثل ذلك‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما إن اشترط في السلف زيادة كان حراما وإن اشترط على الغريم هدية كان حراما ولا بأس أن يقبل هديته بغير شرط قالوا وكل قرض جر منفعة لا خير فيه وروي عن إبراهيم مثله قال الطحاوي وهذا عندهم إذا كانت المنفعة مشروطة‏.‏

وأما إذا أهدى إليه من غير شرط أو أكل عنده فلا بأس به عندهم وقال الليث بن سعد أكره أن يقبل هديته أو يأكل عنده وقال عبيد الله بن الحسن لا بأس أن يأكل الرجل هدية غريمه‏.‏

وقال الشافعي لا بأس أن يقضيه أجود من دينة أو دونه إذا تراضيا ذلك قال أبو عمر اختلف السلف والخلف في هذه المسألة وعلى حسب ذلك كان اختلاف الخلف من الفقهاء فيها فروي عن أبي بن كعب وعبد الله بن سلام أنهما كرها كل هدية الغريم وروى نافع عن بن عمر أنه كان له صديق يسلفه وكان عبد الله بن عمر يهدي له وروى شعبة عن يحيى بن سعيد عن أنس قال إذا أ قرضت رجلا قرضا فلا تركب دابته ولا تقبل هديته إلا أن يكون قد جرت بينك وبينه قبل ذلك مخالطة وروي عن بن عباس فيها رخصة وفي هذا الباب حديث مسند جيد وهو حجة وملجأ لمن قال به قال أبو عمر قال حدثني سعيد بن نصر قال حدثني عبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح‏.‏

وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الله بن نمير قال حدثني يزيد بن زياد بن أبي الجعد قال حدثني أبو صخر جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال لما ظهر الإسلام خرجنا في ركب ومعنا ظعينة لنا حتى نزلنا قريبا من المدينة فبينا نحن قعود إذ أتى رجل عليها ثوبان أبيضان فسلم ثم قال من أين أقبل القوم فقلنا له من الربذة ومعنا جمل أحمر أتبيعوني الجمل قال قلنا نعم قال بكم قلنا بكذا أو كذا صاعا من تمر فأخذه ولم يعطنا شيئا قال قد أخذته وأخذ برأس الجمل حتى توارى بحيطان المدينة قال فتلاومنا فيما بيننا قلنا أعطيتم جملكم رجلا لا تعرفونه فقالت الظعينة لا تلاوموا لقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم ما رأيت أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه فلما كان العشي أتانا رجل فقال السلام عليكم أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم وهو يأمركم أن تأكلوا حتى تشبعوا وأن تكتالوا حتى تستوفوا وأكلنا حتى شبعنا واكتلنا حتى استوفينا ففي هذا الحديث إباحة أكل طعام من له عليه دين وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطعم ما لا يحل ويشهد لهذا حديث أبي رافع المذكور في صدر هذا الباب ومثله حديث أبي هريرة وقد ذكرناه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وذلك كله يدل على أنه جائز لمن له دين على رجل من دين أقرضه أو بيع باعه أن يقبل منه ما زاد به بطيب نفسه شكرا لها وأن يأكل طعامه ويقبل هديته وما كان مثل ذلك كله ومثله فليس بربا وقضى الإجماع أن من اشترط شيئا من ذلك فهو ربا فكان الوجه الأول من الحلال البين والوجه الآخر من الحرام البين والحمد لله‏.‏

باب ما لا يجوز من السلف

1344- مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في رجل أسلف رجلا طعاما على أن يعطيه إياه في بلد آخر فكره ذلك عمر بن الخطاب وقال فأين الحمل يعني حملانة قال أبو عمر هذا بين لأنه قد اشترط عليه فيما أسلفه زيادة ينتفع بها وهي مؤنة حمله وكل زيادة من عين أو منفعة يشترطها المسلف على المستسلف فهي ربا لا خلاف في ذلك‏.‏

1345- مالك أنه بلغه أن رجلا أتى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني أسلفت رجلا سلفا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته فقال عبد الله بن عمر فذلك الربا قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن فقال عبد الله السلف على ثلاثة وجوه سلف تسلفه تريد به وجه الله فلك وجه الله وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك فلك وجه صاحبك وسلف تسلفه لتأخذ خبيثا بطيب فذلك الربا قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن قال أرى أن تشق الصحيفة فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت وإن أعطاك أفضل مما أسلفته طيية به نفسه فذلك شكر شكره لك ولك أجر ما أنظرته‏.‏

1346- مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول من أسلف سلفا فلا يشترط إلا قضاءه‏.‏

1347- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول من أسلف سلفا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف فهو ربا قال أبو عمر هذا الباب كله عن عمر وبن عمر وبن مسعود بذلك على أنه لا ربا في الزيادة في السلف إلا أن يشترط تلك الزيادة ما كانت فهذا ما لا شك فيه أنه ربا والوأي والعادة من قطع الذرائع ومن ترك ما ليس به بأس مخافة مواقعة ما به بأس كما جاء في الحديث ‏(‏‏(‏وأترك ما يريبك إلى ما لا يريب‏)‏‏)‏ كما قال صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏دع ما يريبك لما لا يريبك‏)‏‏)‏ وقال عمر - رضي الله عنه اتركوا الربا والريبة والوأي والعادة من هذا الباب الريبة والله أعلم قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئا من الحيوان بصفة وتحلية معلومة فإنه لا بأس بذلك وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد فإنه يخاف في ذلك الذريعة إلى إحلال ما لا يحل فلا يصلح وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ثم يردها إلى صاحبها بعينها فذلك لا يصلح ولا يحل ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد قال أبو عمر اختلف العلماء قديما وحديثا في استقراض الحيوان واستسلافه فكرهه قوم وأباه قوم منهم ورخص فيه آخرون فمن كرهه ولم يجزه ولا أجاز السلم فيه من الصحابة عبد الله بن مسعود وحذيفة وعبد الرحمن بن سمرة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح وسائر الكوفيين وحجتهم أن الحيوان لا يوقف على حقيقة صفته لأن مشيته وحركته وجريه وملاحته كل ذلك يزيد في ثمنه ولا يدرك ذلك بوصف ولا يضبط بنعت لأن قارحا أخضر غير قارح غير أخضر ونحو هذا من صفات سائر الحيوان وادعوا النسخ في حديث أبي رافع المذكور في أول هذا الباب لما فيه من استقراض رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر ورده الجمل الخيار ومثله حديث أبي هريرة فادعوا النسخ في ذلك بحديث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الذي أعتق نصيبه من عبد له بينه وبين غيره بقيمة نصيب شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله وقال داود وطائفة من أهل الظاهر لا يجوز السلم في الحيوان ولا في شيء من الأشياء إلا في المكيل والموزون خاصة وما خرج عن الكيل والوزن فالسلم فيه غير جائز لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند البائع ولقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من سلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم‏)‏‏)‏ ويخص المكيل والموزون من سائر ما ليس عند البائع فكل ما لم يكن مكيلا ولا موزونا قد دخل في بيع ما ليس عندك قال أبو عمر قد نقض داود وأهل الظاهر ما أصلوا في قولهم في بيع ما ليس عندك كل بيع جائز بظاهر قول الله عز وجل ‏(‏وأحل الله البيع وحرم الربوا‏)‏ ‏[‏البقرة 275‏]‏‏.‏

إلا بيع ثبتت السنة بتحريمه وبالنهي عنه أو اجتمعت الأمة على فساده فلم يلزمهم السلم في الحيوان بظاهر القرآن لأن بيع ما ليس عندك غير مدفوع بما قاله الحجازيون في معناه أنه بيع ما ليس عندك من الأعيان‏.‏

وأما ما كان مضمونا في الذمة موصوفا فلا‏.‏

وقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد استقراض الحيوان جائز والسلم فيه جائز وكذلك كل ما يضبط بالصفة في الأغلب وحجتهم حديث أبي رافع واستقراض رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر وفي استقراضه الحيوان إثبات الحيوان في الذمة بالصفة المعلومة ومن حجتهم أيضا إيجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الخطأ في ذمة من أوجبها عليها ودية العمد المقبولة ودية شبه العمد المغلظة كل ذلك قد ثبت بالسنة المجتمع على ثبوتها وذلك بإثبات الحيوان بالصفة في الذمة فكذلك الاستقراض والسلم وقد كان بن عمر يجيز السلم في الوصف وأجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب الرجل عبده على مملوك بصفة وذلك منهم تناقض على ما أصلوه وأجاز الجميع النكاح على عبد موصوف وذكر الليث عن يحيى بن سعيد قال قلت لربيعة إن أهل أنطابلس حدثوني أن جبير بن معين كان يقضي عندهم بأن لا يجوز السلم في الحيوان وقد كان يجالسك ولا أحسبه قضى به إلا عن رأيك فقال ربيعة قد كان بن مسعود يقول ذلك فقلت وما لك ولابن مسعود في هذا قد كان بن مسعود يتعلم منا ولا نتعلم منه وقد كان يقضي في بلاده بأشياء فإذا جاء إلى المدينة وجد القضاء على غير ما قضى به فيرجع إليه قال أبو عمر إنما يؤخذ هذا على صحة لابن مسعود وفي مسألة أمهات النساء والربائب كان قد أفتى بالكوفة بأن الشرط في الأم والربيبة فلما قدم المدينة قال له عمر وعلي إن الشرط في الربيبة والأم مهملة فرجع إلى ذلك وهذا لم يسلم منه أحد قد كان عمر بالمدينة يعرض له مثل هذا في أشياء يرجع فيها إلى قول علي وغيره على جلالة عمر وعلمه وبن مسعود أحد العلماء الأخيار الفقهاء من الصحابة وهو المعروف فيهم بصاحب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام له ‏(‏‏(‏آذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك‏)‏‏)‏ وفسر العلماء السواد ها هنا بالسرار وقال أبو وائل لما أمر عثمان بالمصاحف أن تشقق قال عبد الله لا أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني قال أبو وائل فقمت إلى الخلق لأسمع ما يقولون فما سمعت أحدا من أصحاب محمد ينكر ذلك عليه قال أبو عمر يعني بمن كان بالكوفة من الصحابة يومئذ ونزلها منهم جماعة وقال عقبة بن عمرو الأنصاري أبو مسعود ما أرى رجلا أعلم بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مسعود وقال أبو موسى الأشعري ليوم أو ساعة أجالس فيها عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة كان يسمع حتى لا نسمع ويدخل حين لا ندخل وقال لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم - يعني بن مسعود وأخباره في ذلك كثيرة وقد ذكرنا كثيرا منها في بابه من كتاب الصحابة والحمد لله كثيرا‏.‏

وأما اعتلال العراقيين بأن الحيوان لا يمكن صفته بغير مسلم لهم لأن الصفة في الحيوان أن يأتي الواصف فيها بما يرفع الإشكال ويوجب الفرق بين الموصوف وغيره كسائر الموصوفات من غير الحيوان وحسب المسلم إليه إذا جاء بما تقع عليه تلك الصفة أن بعته منه‏.‏

وأما اختلاف الفقهاء في استقراض الإماء فقال بقول مالك في ذلك الليث والأوزاعي والشافعي يجوز استقراض الحيوان كله إلا الإماء فإنه لا يجوز استقراضهن وكذلك قول أبي حنيفة على أصولهم أنه لا يجوز استقراض شيء من الحيوان لأن رد المثل لا يمكن لعذر المماثلة عندهم في الحيوان ولا خلاف عن مالك ومن ذكرنا معه فيمن استقرض أمة فلم يطأها حتى علم ذلك من فعله أنه يردها بعينها وينفسخ استقراضه واختلفوا في حكمها إن وطئها فقال مالك إن وطئها لزمته بالقيمة ولم ترد بردها‏.‏

وقال الشافعي يردها ويرد معها عقرها وإن حملت أيضا ردها بعد الولادة وقيمة ولدها إن ولدت أحياء يوم سقطوا من بطنها ويرد معها ما نقصتها الولادة وإن ماتت لزمه مثلها فإن لم يوجد مثلها فقيمتها وقال داود بن علي وأبو إبراهيم المزني - صاحب الشافعي - وأبو جعفر - الطبري استقراض الإماء جائز قال الطبري والمزني قياسا على بيعها وأن ملك المستقرض صحيح يجوز له فيه التصرف كله وكل ما جاز بيعه جاز قرضه في القياس وقال داود ‏(‏‏(‏لم يحظر الله استقراض الإماء ولا رسوله ولا اتفق الجميع عليه وأصول الأشياء عنده على الإباحة واستدل بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز استسلاف الحيوان والإماء من الحيوان وحجة من لم يجز استقراض الإماء وهم جمهور العلماء أن الفروج محظورة لا تستباح إلا بنكاح أو ملك يمين بعقد لازم والقرض ليس بعقد لازم لأن المستقرض يرده متى شاء فأشبه الجارية المشتراة بالخيار فلا يجوز وطؤها بإجماع حتى تنقضي أيام الخيار فيلزم العقد فيها وهذه قياس عليها وبالله التوفيق‏.‏